☕ مدخلٌ من الرائحة:
حين تفوح رائحة القهوة من “الوجار” في مضارب الصحراء، لا يشتمها العربي وحده، بل تُثير دهشة الغريب أيضًا.
هذا ما حدث تمامًا مع عشرات الرحالة الغربيين الذين وطئت أقدامهم الجزيرة العربية، ودوّنوا في دفاترهم ما لم تلتقطه عدسات الكاميرا: قهوة تُقدَّم بحب، وتُشرب بهيبة، وتُعدّ بطقوسٍ تتجاوز المشروب لتدخل في صلب الهوية.
📚 رحالة ودفاتر… ومفاجآت
منذ القرن السادس عشر، بدأ الرحالة الأوروبيون يتقاطرون على الجزيرة العربية. لم يكونوا باحثين عن القهوة بالتحديد، لكن القهوة هي من وجدتهم!
في مكة والمدينة، في نجد والجوف، وحتى في مجالس البدو الرحّل، استوقفتهم هذه الحبة البنية الصغيرة، ليس فقط بمذاقها، بل بكل ما يحيط بها من رمزية ومكانة.
🔎 الملفت؟ أن معظمهم رأى في القهوة وسيلة لفهم المجتمع أكثر من كونها مشروبًا صباحيًا. فالفنجان الذي يُقدَّم أولًا ولمن يُقدَّم، ومَن يصبّ، ومن يشرب… كلها إشارات صامتة تقول الكثير.
🔥 القهوة على نار التقاليد
اختلف الرحالة في انتماءاتهم، لكنهم أجمعوا على دهشتهم من طريقة تحضير القهوة:
-
إشعال النار بالروث أو القش.
-
تحميص البن على المحماسة يدويًا.
-
دقّه في النجر برنين يشبه "نداء الضيافة".
-
تحضير ثلاث دلال بترتيب دقيق: دلة اللقمة، دلة الطبخ، دلة التقديم.
🫖 النتيجة؟ قهوة ذهبية، قليلة التركيز، معطرة بالهيل والزعفران، تُقدَّم في فناجين صغيرة بلا مقابض... لكنها مفعمة بالهيبة.
💬 آداب الفنجان... لغة دون كلمات
في المجالس العربية، لم تكن القهوة للتذوق فقط، بل كانت لغة صامتة:
-
أن تصب الفنجان للنزيل الأهم أولًا.
-
أن تمسك الدلة باليمين، والفناجين باليسار.
-
أن تشرب أول رشفة أمام الضيوف (لإثبات أنها غير مسمومة!).
-
أن تضع أقل من نصف الفنجان... لأن الإكثار يُفهم أحيانًا على أنه “اشرب وامشِ!”.
🧑🤝🧑 الرسالة؟ الفنجان الصغير كان أداة لتكريس الاحترام، ولبناء علاقات اجتماعية لا تُقدّر بثمن.
🕌 القهوة في الدين والمروءة
بعض الرحالة أشاروا إلى ارتباط القهوة بمجالس الذكر والتأمل، وأخرى كانت جزءًا من تقاليد البدو في فضّ النزاعات، واستقبال الضيوف.
حتى في الصحراء، إن لم يكن لديك سوى "كيس بن" وصرة هيل، فأنت بخير... لأن القهوة وحدها كفيلة أن تصنع لك اسمًا بين الرجال.
💡 خاتمة فكرية:
تخيّل لو أن القهوة لم تكن موجودة عندما جاء هؤلاء الرحالة... كم من معالم الشخصية العربية كانت ستضيع؟
لقد كانت القهوة، كما يقول أحدهم، بوابةً لفهم العربي أكثر من أي خطاب سياسي أو مقال صحفي.
ففي كل رشفة، كان الغربي يقرأ فصلًا من فصول الكرم، النظام، وحتى الذوق!
تعليقات
إرسال تعليق