تبدأ قصة القهوة في فيينا برائحة دخان المعركة وحصارٍ خانق. في عام 1683، حاصرت جيوش الإمبراطورية العثمانية مدينة فيينا، بهدف فتحها وإضافة جوهرة أوروبية جديدة إلى تاج السلطان.
وسط صخب المدافع ودوي الانفجارات، تسلل "جورج فرانز كولشيتسكي" خارج أسوار فيينا المحاصرة. كان كولشيتسكي يتقن اللغة التركية وعادات العثمانيين فهو الذي كان اسيرًا لديهم لمدة عامين، فاستطاع التنكر والاندماج بين صفوفهم وجمع معلومات ثمينة عن تحركاتهم ونقاط ضعفهم. .
بعد فشل الحصار وانسحاب الجيش العثماني، عُثر على أكياس من حبوب البن متروكة في المعسكر المهجور. لم يعرف أحد قيمة هذه الحبوب الغريبة، فأُعطيت لـكولشيتسكي كمكافأة على شجاعته. قرر كولشيتسكي، مستفيدًا من معرفته بالعادات التركية، فتح أول مقهى في فيينا. قدّم فيه القهوة بعد تحليتها وتحسين مذاقها ليُناسب الأذواق الأوروبية.
لكن قصة دخول القهوة إلى فيينا لا تكتمل دون ذكر الخيانة التي لعبت دورًا في فشل الحصار العثماني. تواصل خان القرم سراً مع قادة الجيش البولندي النمساوي المُحاصر لـِفيينا، وعرض عليهم خيانة العثمانيين مقابل الدعم و الحماية. وافق القادة على عرضه، و بدأ خان القرم بتنفيذ مُخططه. قام بتزويد الجيش البولندي النمساوي بمعلوماتٍ ثمينة عن تحركات الجيش العثماني و نقاط ضعفه، كما أمر فرسان القرم بالتراجع عن الهجوم في لحظة حاسمة من المعركة.
ساهم انقلاب خان القرم هذا في تغيير موازين القوى وإضعاف الجيش العثماني، فقد فُتحت ثغرة في خطوط دفاعهم سمحت للقوات البولندية بقيادة الملك يان سوبياسكي باختراق الحصار و الوصول إلى فيينا بالإمدادات و العتاد. انهارت معنويات الجيش العثماني، و تحولت دفة المعركة لصالح فيينا وحلفائها. لتكون هذه المعركة بداية التراجع العثماني في أوروبا
حيث بدأ التراجع و الانسحاب من المناطق الأوروبية بعدها .
هكذا، وبين دخان المعارك وطعم القهوة المرّ، دخلت القهوة إلى فيينا لتُصبح جزءًا لا يتجزأ من ثقافتها وتاريخها. ومن "البيت الأزرق" انطلقت لتنتشر في أرجاء أوروبا، حاملةً معها نكهة الشرق ورائحة التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق